المعارك الأدبية
المعارك الأدبية و النقدية نوع من الحراك الثقافي الذي ينشأ بين أطراف متباينة أو المتضادة في الرؤية و الأهداف، و يسعى كل طرف منها إلى تعزيز موقفه و التفوق على الآخر للفوز بكسب مادي أو معنوي، و لها أثر كبير في تطوير الفكر و الثقافة و الأدب و تنشط حركة التأليف، كما تنطوي على مساوئ يجرها عنف الصراع من حنق و ضغينة في النفوس و ظلم، و تقع المعارك بين الأفراد أو بين الجماهير.
المعارك الأدبية في القرن العشرين
ثارت في العصر الحديث معارك بين رواد الأدب العربي ، جذبت إليها أنظار المهتمين بالفكر و الثقافة ، بهدف متابعة تطوراتها و الوقوف على نتائجها، و يسمي رجاء النقاش النصف الأول من القرن العشرين عصر القسوة في النقد الأدبي و يرى جهاد فاضل أن هذه المعارك من الأدلة على يقظة الأدب و الفكر و الوجدان عند النخب، كما كانت وسيلة من وسائل التفتيش عن الحلول، كان ذلك أكثره في عصر النهضة، الذي أسهم في صياغة أفكاره و مشاريعه المثقفون لا السياسيون .
ينتقد محمد صالح الشنطي تلك المعارك واصفا إياها بأنها نماذج لحوارات فاشلة، إما لسوء طبع بعض الأدباء أو لأساب أخرى لا تليق، و يرى انه لا ينبغي الاقتداء بها، أما فهد محمد سلمان فيرى أن الأدب الحقيقي يحتاج دائما إلى غبار المعارك الأدبية، أما مناخات الصلح و الوفاق فهي إن كانت تصلح للحياة العامة فإنها لا تنجز في الأدب إلا المجاملة و النفاق الثقافي و غض الطرف.
المعركة الأدبية بين زكي مبارك و احمد أمين
كتب أحمد أمين سلسة مقالات في مجلة الثقافة المصرية تحت عنوان " جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي " و فيها ذكر أن العرب في جاهليتهم لم تكن لهم وثنية تبدع الأساطير على نحو ما كان الحال عند اليونان، و ذلك يشهد أن الجاهليين لم يكونوا من أهل الخيال، كما رأى أن التراث العربي لا يصلح لتربية الأذواق لدى الأجيال الناشئة، كان رد زكي مبارك على ما كتبه أحمد أمين بسلسلة من المقالات العنيفة في مجلة الرسالة بلغت 22 مقالة عام 1939، جاءت تحت عنوان " جناية أحمد أمين على الأدب العربي " و قال زكي مبارك أن أحمد أمين أساء إلى تاريخ اللغة و الأدب، فهو يدرس ماض اللغة العربية دون تحرز و لا رفق، و قال لو تركناه شهرين يؤرخ الأدب على هواه لجعل الأمة العربية أضحوكة بين العالمين، كانت ردود زكي مبارك ناجزة و مفحمة و مفعمة بالسخرية، في هذه المعركة حامية الوطيس وقف زكي مبارك خريج السوربون موقف للاعتدال و الدفاع عن التراث و قيمه، أما احمد أمين الأزهري الذي بدأ حياته قاضياً في المحاكم الشرعية فكان متسرعا و مرددا لآراء المستشرقين و دعاة التغريد، اشترك في هذه المعركة باحثون آخرون و لكن احمد أمين لم يشترك فيها على نحو سافر .
المعركة الأدبية بين العقاد و الرافعي
المعركة بين عباس محمود العقاد و مصطفى الرافعي كانت من أعنف المعارك التي دارت ين الأدباء، فقد تجاوز الاثنين الخطوط الأخلاقية و الذوقية الحمراء، و زاد من اشتعال نيران الخصومة بين العقاد و الرافعي الصراع على صداقة الزعيم سعد زغلول، و المنافسة على حب الأديبة مي زيادة، بدأ الخلاف على صفحات مجلة المؤيد عام 1914 حيث كتب العقاد مقال عنوانه فائدة من أفكوهة، يدور حول اضطراب القياس عند الرافعي و تناقضه حين كتب عن جهاز النطق لدى الإنسان و الحيوان، و احتدم الصراع فهاجم العقاد الرافعي قائلا هذا رجل لا يستحي أن يسمي نفسه على غلاف رسالته بنابغة كُتاب العربية و زهرة شعرائها، إيه يا خفافيش الأدب، أغثيتم نفوسنا أغثى الله نفوسكم، جن جنون الرافعي و طفق يكتب سلسلة مقالات سامة تحت عنوان " على السفود " ثم جمعها في كتاب يحمل العنوان نفسه و كتب تحته نقد تحليلي قلم إمام من أئمة الأدب العربي، دون أن يصرح باسمه، و ثبتت على الغلاف هذه الأبيات:
و للسفود نار لو تلقت *** بجاحمها حديد ظن شحما
و يشوي الصخر ي يتركه رماداً *** فكيف و قد رميتك فيه لحما
السفود هو عود من حديد ينظم فيه اللحم ليشوى و يسميه العامة السيخ، فالعقاد مسفد في هذا الكتاب، و هذا النقد تسفيده، بيَن الرافعي هدفه من هذه المقالات في قوله لا ننسى أن العقاد الآن في رأيه و رأي الكثيرين انه جبار الكتابة، فنحن نريد أن نضع أنف هذا الجبار في الأرض مقدار ساعتين على الأقل لأنه لم يتجرأ عليه أحد حتى الآن، و اللذين كتبوا عنه لم ينالوا منه نيلا، و طه حسين لم يكد يمسه مرة حتى هرب و أخذ ينافق له و يتملقه.
اتهم الرافعي العقاد أن أبياته الحسنة مسروقة، جاءت من قريحة أخرى و طبيعة غير هذه التي تعصف بالغبار و الأقذار و كان يسميه الشاعر المراحيضي، كان الرافعي عنيفا لدد الخصومة بعيد المدى في الهجاء مغرما بالمبالغة لأنه يغالط و يتجنى على صاحبه، و قد أجمع كثير من الأدباء و النقاد على أن الرافعي خسر معركته مع العقاد .
المعركة الأدبية حول كتاب - في الشعر الجاهلي - لطه حسين
نشر طه حسين كتابه في الشعر الجاهلي سنة 1926 و هو مجموعة محاضرات ألقاها في الجامعة و ذهب فيها أن معظم الشعر الجاهلي غير جاهلي، و أنه من نظم الشعراء الإسلاميين الذين رغبوا من ورائه نسبته للجاهليين أن يدعموا مزاعمهم السياسية و يرضوا نزعة التنافس و التفاخر بينهم و يزودوا رواة الأحاديث النبوية و علماء الدين أو مفسري القرآن بالشواهد.
تمثل طه حسين بطريقة ديكارت في البحث قاده إلى الشك في أمور كثيرة تتعلق بالتاريخ العربي أو تتصل بالدين، من ذلك انه رفض قصة الحجر الأسود و رفض وجود إسماعيل و إبراهيم عليهما السلام، و عرض طه حسين لشواهد الكتب المقدسة و رفض أن يعدها حقائق تاريخية صحيحة، كل ذلك أثار سخط و كراهية طائفة من الأدباء و الباحثين و رأوا في آرائه خروجا عن الدين و جرأة على الأدب العربي ، فأثاروا حوله زوبعة هدارة، إذ اتهمه مصطفى صادق الرافعي بالإلحاد و عده أخطر ملحد في الإسلام، و أوصل القضية للبرلمان و الوزارة و طالب الحكومة بالاقتصاص منه، و أمام هذا الصخب العالي لم يجد طه حسين بُداً من اللجوء إلى أساليب أكثر ليونة، و إلى إعلان إيمانه من غير أن يعدل عن وجهة نظره، و قد عمد في كتابه في الشعر الجاهلي فأجرى فيه قلمه بالتغيير و الحذف و الإضافة و صار عنوانه: في الأدب الجاهلي، كانت هذه المعركة سببا في الجفوة الأبدية بين طه حسين و تلميذه الشيخ المحقق محمود محمد شاكر، الذي تبين أن طه حسين و هو يحاضر كان يورد المستشرق الانجليزي مارغيلوث في الشعر الجاهلي دون أن ينسبها إليه، فمارغيلوث هو من قال أن الشعر الجاهلي منحول، انبرى من الأدباء للرد على كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي.
المعركة الأدبية بين جماعة الديوان
تألفت جماعة الديوان من أقطاب ثلاثة عباس محمود العقاد و إبراهيم المازني و عبد الرحمن شكري، و ساد هؤلاء الود و السلام في البداية، ثم دب الشقاق بين عبد الرحمن شكري و صاحبيه، في عام 1917، و تحول الأمر بين أعضائها إلى تنافس و خصام فإلى فراق أبدي، بدأ الخصام و التصدع بين أعضاء جماعة الديوان عندما انتقد عبد الرحمن شكر ي مسلك المازني في الأخذ من الشعراء الغربيين، و لم تلبث عرى الصداقة بين شكر ي و المازني أن تقطعت و تحولت إلى مواجهة عنيفة جعلت شكري يصف المازني بأنه صرصور الشعر، رد المازني على شكري و سماه صنم الأدب أو صنم الألاعيب، و وصفه بأن شعره بلا أسلوب و انه مقلد لكل ما يقرأ و أن شعره بلا مضمون و أن خياله قاصر عن التحليق بجناحي الحقيقة، و هجاه بقصائد عنيفة.
اخذ المازني و العقاد يتهمان شكري صراحة بالجنون و الخبل و انهه به شذوذا في الصفات و الميول و قد ندم المازني على إساءته لشكري و اعتذر عام 1934، و قال ما اعرف أن لي من دعاء أو رجاء إلا أن يمسح الله على قلب شكري و ينسيه ما كان مني، أما العقاد فثبت على موقفه و بقي يستصغر مكانة شكري في مدرسة الديوان.
عندما ابتعد عبد الرحمن شكري ماتت مدرسة الديوان، فقد كان لها العقل و الروح، و هو رائدها الملتزم بمبادئها المبشر بفكرتها و مع ديوانه الأول " ضوء الفجر " كانت البداية الحقيقية للمدرسة.
تعليقات
إرسال تعليق