المنفلوطي
نشأته و حياته
ولد السيد مصطفى لطفي بمنفولط (محافظة اسيوط ) سنه 1293 هـ و 1876 م و نشأ في بيت كريم بالدين جليل، بالفقه توارث اهله قضاء الشريعة و نقابة الصوفية، قرابة مئتي عام. و نهج المنفلوطي سبيل آبائه في الثقافة فحفظ القرآن في الكُتاب. و تلقى العلم بالأزهر، و لكنه كان لا يلقي باله كثيرا لغير علوم اللسان و فنون الأدب . فهو يحفظ الأشعار و يتصيد الشوارد و يسوغ القريض و ينشئ الرسائل، و له شهرة في الازهر بذكاء القريحة و روعة الاسلوب، ثم يستفيد المنفلوطي من قربه الى الامام و صلته بسعد باشا زغلول، و من تقربه من هذين العظيمين نُفوقه لدى صاحب المؤيد ، و هؤلاء الثلاثة كانوا أقوى العناصر في تكوين المنفلوطي الاديب بعد استعداد فطرته و ارشاد والده. و خلال طلبه العلم في الازهر حكم عليه بالحبس و قضى في السجن مدة العقوبة بسبب ما نسب اليه انه هجا الخديو عباس حلمي الثاني بقصيدة نشرها في احدى الصحف الاسبوعية . و لما مات الامام جزع المنفلوطي فيه على رجائه و سنده و عاد مقطوع الرجاء الى بلده.
ثم نعش الله عاثر امله بعد فترة من الزمن ، فهب يبتغي في جريدة المؤيد الوسيلة و النجاح. ثم صارت الى سعد باشا و زارة المعارف فعينه محرار عربيا لها . و لما تحول الى وزارة الحقانية ( العدل ) حوله معه و ولاه فيها مثل هذا المنصب. ثم انتقل الحكم الى غير حزبه فنقل من عمله ، حتى اذ قام البرلمان عينه سعد باشا في وظيفة كتابية بمجلس النواب ظل فيها حتى توفاه الله و هو في العقد الخامس من عمره .
أخلاقه
كان المنفلوطي نقياً و صفحة رقراقة في ظاهره و باطنه ، فهوة منسجم الخُلق ، متلائم الذوق، متناسق الفكر، متسق الاسلوب، منسجم الثوب، لا تلمح في قوله و لا في فعله شذوذ العبقرية و لا نشوز الفدامة. كان سليم الفكر، صحيح الفهم ، هيوب اللسان في تحفظ، دقيق الحس، و هذه الصفات تظهر صاحبها للناس في مظهر الغبي الجاهل فهو لذلك كان يتقي المجالس و يتجنب الجدل و يكره الخطابة : ثم هو الى ذلك رقيق القلب عف الضمير سليم الصدر صحيح العقيدة نفاح اليد موزع العقل و الفضل و الهوى بين اسرته و وطنيته و انسانيته.
أسلوبه و أدبه
كان المنفلوطي موهوب أدبيا، حظ الطبع اكثر من حظ الصنعة في ادبه، لأن الصنعة لا تخلق أدباً مبتكرا و لا أديباً ممتازاً و لا طريقة مستقلة، و كان النثر الفني على عهده لونا حائلا من ادب القاضي الفاضل، او أثراً مائلا لفن ابن خلدون، و لكنك لا تستطيع ان تقول إن اسلوبه كان مضروبا على أحد القالبين و انما كان اسلوب المنفلوطي في عصره كأسلوب ابن خلدون في عصره بديعا انشأه الطبع القوي.
عالج المنفلوطي الاقصوصة اول الناس و بلغ في اجادتها الغاية ما كان ينتظر ممن نشأه كنشأته في جيل كجيله، و سر الذيوع في ادب المنفلوطي انه ظهر على فترة من الادب الخالص و فاجأ الناس بهذا القصص الرائع الذي يصف الألم و يمثل العيوب في اسلوب طلي و بيان عذب و ساق مطرد و لفظ مختار. اما صفة الخلود فيه فيمنع من تحقيقها أمران: ضعف و ضيق الثقافة، اما ضعف الاداه فلان المنفلوطي لم يكن واسع العلم بلغته و لا قوي البصربأدبها.
لذلك تجد في تعبيره الخطأ و الفضول و وضع الفظ في غير موضعه، و اما ضيق الثقافة فلأنه لم يتوفر على تحصيل علوم الشرق، و لم يتصل اتصالا مباشراً بعلوم الغرب، لذلك تلمح في تفكيره السطحية و السذاجة و الاحاله. و جملة القول ان المنفلوطيفي النثر كان كالبارودي في الشعر: كلاهما احيا و جدد، و نهج و عبّد، و نقل الاسلوب من حال الى حال.
مؤلفاته و مترجماته.
له مؤلفات و تعريبات: كتاب ( النظرات ) في ثلاثة أجزاء جمع فيها ما نشره في جريدة المؤيد من الفصول في النقد و الاجتماع و الوصف و القص. و كتاب ( العبرات ) و هو مجموعة من القصص المنقولة و الموضوعة، ثم ( مختارات المنفلوطي ) من أشعار المتقدمين و مقالاتهم. و قد ترجم له بعض أصدقائه عن الفرنسية : تحت ظلال الزيزفون ( ماجدولين ) لألفونس كار، و بول و فيرجيني ( الفضيلة ) لبرنار دي سان يير، و سيرانودبر جراك ( الشاعر ) لادمون وستان، فصاغها الى ثراء الأدب العربي ثروة و كانت للفن القصصي الحديث و قوة و قدرة.
تعليقات
إرسال تعليق